فصل: ثم دخلت سنة تسع وستمائة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ أبي الفداء **


  ذكر قتال خوارزم شاه مع الخطا بما وراء النهر

في هذه السنة كاتبت ملوك ما وراء النهـر مثـل ملـك سمرقنـد وملـك بخـارى خـوارزم شـاه يشكون ما يلقونه من الخطا ويبذلون له الطاعة والخطبة والسكة ببلادهم إن دفع الخطا عنهم فعبـر عـلاء الديـن محمـد خوارزم شاه بن تكش نهر جيحون‏.‏

واقتتل مع الخطا وكان بينهم عدة وقائع والحرب بينهم سجال واتفق في بعض الوقعات أن عسكـر خـوارزم شـاه انهـزم وأخـذ خوارزم شاه محمد أسيراً وأسر معه شخص من أصحابـه يقـال لـه فلـان بـن شهـاب الديـن مسعود ولم يعرفهما الخطاي الذي أسرهما فقال ابن مسعود لخوارزم شاه‏:‏ دع عنك المملكة وادع أنك غلامي واخدمني لعلي أحتال في خلاصك‏.‏

فشرع خوارزم شاه يخدم ابن مسعود ويقلعه قماشه وخفه ويلبسه ويخدمه فسأل الخطاي ابن مسعود من أنت قال‏:‏ أنا فلان فقال لـه الخطـاي‏:‏ لـو لا أخاف من الخطا أطلقتك‏.‏

فقال له ابن مسعود‏:‏ إني أخشى أن ينقص خبركما عـن أهلـي فـلا يعلمـون بحياتـي وأشتهـي أن أعلمهـم بحالـي لئلا يظنوا موتي ويتقاسموا مالي‏.‏

فأجابه الخطـاي إلـى ذلـك‏.‏

فقـال ابـن مسعـود أشتهـي أن أبعـث بغلامـي هـذا مـع رسولك ليصدقوه‏.‏

فأجابه إلى ذلك وراح خوارزم شاه مع ذلك الشخص حتى قرب من خوارزم فرجع الخطاي واستقر خوارزم شاه في ملكه وتراجع إليه عسكره‏.‏

وكان لخوارزم شاه أخ يقال له علي شاه بن تكش وكان نائب أخيه بخراسان فلما بلغه عدم أخيـه في الوقعة مع الخطا دعى إلى نفسه بالسلطنة واختلفت الناس بخراسان وجرى فيها فتن كثيرة فلما عاد خوارزمشاه محمد إلى ملكه خاف أخوه علي شاه فسار إلى غياث الدين محمود بن غياث الدين محمد ملك الغورية فأكرمه غياث الدين محمود وأقام علي شاه عنده بفيروزكوه‏.‏

ذكر قتل غياث الدين محمود وعلي شاه‏:‏ ولما استقر خوارزم شاه في ملكه وبلغه ما فعله أخره علي شاه أرسل عسكراً إلى قتال غياث الدين محمود الغوري فسار العسكر إلى فيروزكوه مع مقدم يقال له أمير ملك فسار إلى فيروزكوه وبلغ ذلك محسـوداً فأرسـل يبـذل الطاعـة ويطلـب الأمـان فأعطـاه أميـر ملـك الأمـان فخرج غياث الدين محمود من فيروزكوه ومعه علي شاه فقبض عليهما أمير ملك وأرسل يعلم خوارزمشاه بالحال فأمره بقتلهما فقتلهما في يوم واحد‏.‏

واستقامت خراسان كلها لخوارزم شاه محمد بن تكش وذلك في سنة خمس وستمائة وهذا غياث الدين محمود بن غياث الدين محمد بن سام بن الحسين هو آخر الملوك الغورية وكانت دولتهم من أحسن الدول وكان هذا محمود كريماً عادلاً رحمة الله عليه ثم إن خوارزم شاه محمـداً لمـا خـلا سيـره مـن جهـة خراسان عبر النهر وسار إلى الخطا وكان وراء الخطا في حدود الصين التتر وكان ملكهم حينئذ يقال له كشلي خان وكان بينه وبين الخطا عداوة مستحكمة فأرسـل كـل من كشلي خان ومن الخطا يسأل خوارزم شاه أن يكون معه على خصمه فأجابهما خوارزم شاه بالمغلطة وانتظر ما يكون منهما فاتقع كشلي خان والخطا فانهزمت الخطا فمال عليهـم خـوارزم شـاه وفتـك فيهـم وكذلك فعل كشلي خان بهم فانقرضت الخطا ولم يبق منهم إلا من اعتصم بالجبال أو استسلم وصار في عسكر خوارزم شاه‏.‏

  ثم دخلت سنة خمس وستمائة

والملك العادل بدمشق وعنده ولداه الملك الأشرف والمعظم‏.‏

ذكر قدوم الأشرف إلى حلب متوجهاً إلى بلاده الشرقية‏:‏ وفي هذه السنة توجه الملك الأشرف موسى بن الملك العادل من دمشق راجعاً إلـى بلـاده الشرقية ولما وصل إلى حلب تلقاه صاحبها الملك الظاهر وأنزله بالقلعة وبالغ في إكرامه وقام للأشرف ولجميع عسكره بجميع ما يحتاجون إليه من الطعام والشراب والحلوى والعلوفات وكان يحمل إليه في كل يوم خلعة كاملة وهي‏:‏ غلالة وقباً وسراويل وكمة وفروة وسيف وحصان ومنطقـة ومنديل وسكين ودلكش وخمس خلع لأصحابه‏.‏

وأقام على ذلك خمسة وعشرين يوماً وقدم له تقدمة وهي مائة ألف درهم ومائة بقجة مع مائة مملوك فمنها عشر بقج فـي كـل واحدة منها ثلاثة أثواب أطلس وثوبان خطاي وعلى كل بقجة جلد قندس كبير ومنها عشرة في كل واحدة منها عشرة أثواب عتابي خوارزمي وعلى كل بقجة جلد قندس كبير ومنها‏.‏

عشـرة فـي كـل واحدة خمسة أثواب عتابي بغدادي وموصلي وعليها عشرة جلود قندس صغار ومنهـا عشرون في كل واحدة خمس قطع مرسوسي وديبقي ومنها أربعون في كل واحدة منها خمسة أقبية وخمس كمام وحمل إليه خمس حصن عربية بعدتها وعشرين أكديشاً وأربعة قطر بغال وخمس بغلات فائقات بالسروج واللجم المكفنة وقطارين من الجمال وخلع على أصحابه مائة وخمسين خلعة وقاد إلى أكثرهم بغلات وأكاديش‏.‏

ثم سار الملك الأشرف إلى بلاده‏.‏

وفي هذه السنة أمر الملك الظاهر صاحب حلب بإجراء القناة من حيلان إلى حلب وغرم على ذلك أموالاً كثيرة وبقي البلد يجري الماء فيه‏.‏

وفي هذه السنة وصل غياث الدين كيخسرو بن قليج أرسلان السلجوقي صاحب بلاد الروم إلـى مرعـش لقصـد بلاد ابن لارون الأرمني وأرسل إليه الملك الظاهر نجدة فدخل كيخسرو إلى بلاد ابن لاوون وعاث فيها ونهب وفتح حصناً يعرف بفرقوس‏.‏

ذكر مقتل صاحب الجزيرة‏:‏ فـي هذه السنة قتل معز الدين سنجرشاه بن سيف الدين غازي بن مودود بن عماد الدين بن زنكي بن أقسنقر صاحب جزيرة ابن عمر وقد تقدم ذكر ولايته في سنة سـت وسبعيـن وخمسمائة قتله ابنه غازي‏.‏

وكان سنجرشاه ظالماً قبيح السيرة جـداً لا يمتنـع عـن قبيـح يفعلـه مـن القتـل وقطـع الألسنـة والأنوف والآذان وحلق اللحى وتعدى ظلمه إلى أولاده وحريمه فبعث ابنيه محموداً ومـودوداً إلى قلعة فحبسهما فيها وحبس ابنه المذكور غازي في دار في المدينة وضيق عليه وكان بتلـك الـدار هـوام كثيـرة فاصطـاد غازي المذكور منها حية وأرسلها إلى أبيه في منديل لعله يرق عليه فلم يزده ذلك إلا قسوة فأعمل غازي الحيلة حتى هرب وكان له واحد يخدمه فقـرر معه أن يسافر ويظهر أنه غازي ابن معز الدين سنجرشاه ليأمنه أبوه فمضى ذلك الإنسان إلى الموصل فأعطى شيئاً وسافر منها واتصل ذلـك بسنجـر شـاه فاطمـأن وتوصـل ابنـه غـازي حتى دخل إلى دار أبيه واختفى عند بعض سراري أبيه وعلم به جماعة منهم‏.‏

وكتموا ذلك عن سنجرشاه لبغضهم فيه واتفق أن سنجرشاه شرب يوماً بظاهر البلد وشرع يقترح على المغنيـن الأشعـار الفراقيـة وهـو يبكـي ودخـل داره سكـران إلـى عنـد الحظيـة التـي ابنه مختبئ عندها ثم قام معز الدين سنجرشاه ودخل الخلاء فهجم عليه ابنه غازي فضربه أربع عشرة ضربة بالسكين ثم ذبحه وتركه ملقى ودخل غازي الحمام وقعد يلعب مع الجواري فلو أحضر الجند واستحلفهم في ذلك الوقت لتم له الأمر وملك البلاد ولكنه تنكر واطمأن فخرج بعض الخدم وأعلم أستاذ الدار فجمع الناس وهجم على غازي وقتله وحلف العسكر لأخيه محمود بن سنجرشاه ولقب معز الدين بلقب أبيه ووصل معز الدين محمود بن سنجر شاه بـن زنكـي واستقـر ملكـه بالجزيـرة وقبـض علـى جـواري أبيـه فغرقهـن فـي دجلة ثم قبض محمود بعد ذلك أخاه مودوداً‏.‏

  ثم دخلت سنة ست وستمائة

في هذه السنة سار الملك العادل من دمشق وقطع الفرات وجمع العساكر والملوك من أولاده ونزل حران ووصل إليه بها الملك الصالح محمود بن محمد بن قرا أرسلان الأرتقي صاحب آمد وحصن كيفا وسار الملك العادل من حران ونازل سنجار وبها صاحبها قطب الدين محمد بن عمـاد الديـن زنكـي بـن مـودود بـن عمـاد الديـن زنكـي فحاصرها وطال الأمر في ذلك‏.‏

ثم خامرت العساكر التي صحبة الملك العادل ونقض الملك الظاهر صاحب حلب الصلح معه فرحل عن سنجار وعاد إلى حران واستولى الملك العادل على نصيبين وكانت لقطب الدين محمد المذكور وكذلك استولى على الخابور‏.‏

وفـي هـذه السنـة توفـي الملـك المؤيـد نجـم الديـن مسعـود ابـن السلطـان صلـاح الديـن‏.‏

وفيهـا توفـي الإمام فخر الديـن محمـد بـن عمـر خطيـب الـري بـن الحسيـن بـن الحسـن بـن علـي التيمـي البكـري الطبرستاني الأصل الرازي المولد الفقيه الشافعي صاحب التصانيف المشهورة‏.‏

قال ابن الأثير‏:‏ وبلغني أن مولده سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة وكان فخر الدين المذكور مع فضائله يعظ وله فيه اليد الطولى وكان يعظ باللسانين العربي والعجمي ويلحقه في الوعـظ الوجد والبكاء وكان أوحد زمانه في المعقولات والأصول واشتغل في أول زمانه على والده ثم قصد الكمال السمعاني واشتغل عليه ثم عاد إلى الري واشتغل على المجد الجيلي وسافر إلى خـوارزم ومـا وراء النهـر وجـرى لـه بكردكـوه ما تقدم ذكره وأخرج منها بسبب الكرامية واتصل بشهاب الدين الغوري صاحب غزنة وحصل له منه مال طائل ثم عاد فخر الدين إلى خراسان واتصل بالسلطان خوارزم شاه محمـد بـن تكـش وحظـي عنـده ولفخـر الديـن نظـم حسن فمنه‏:‏ نهاية إقـدام العقـول عقـال وأكثر سعي العالمين ضلال وأرواحنا في وحشة من جسومنا وحاصل دنيانا أذى ووبال ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا وكم قد رأينا من رجال ودولة فبادوا جميعاً مسرعين وزالـوا وكانـت العلمـاء يقصدونـه مـن البلـاد وتشـد إليـه الرحـال وقصـده ابـن عنين الشاعر ومدحه بقصائد‏.‏

وفيها في سلخ ذي الحجة توفي مجد الدين بن السعادات المبارك بن محمد بن عبد الكريم ومولده سنة أربع وأربعين وخمسمائة المعروف بابن الأثير أخو عز الدين علي المؤرخ مؤلف الكامل في التاريخ وكان مجد الدين المذكور عالماً بالفقه والأصوليـن والنحـو والحديـث واللغـة وله تصانيف مشهورة وكان كاتباً مفلقاً‏.‏

وفيها توفي المجد المطرز النحوي الخوارزمي وكان إماماً في النحو وله فيه تصانيف حسنة‏.‏

  ثم دخلت سنة سبع وستمائة

فيها عاد السلطان الملك العادل من البلاد الشرقية إلى دمشق وفيها قصدت الكرج خلاط وحصروا الملك الأوحد بن الملك العادل بها واتفق أن ملك الكرج شـرب وسكـر فحسـن لـه السكـر أنه تقدم إلى خلاط في عشرين فارساً فخرجت إليه المسلمون فتقنطر وأخذ أسيراً وحمل إلى الملك الأوحد فرد على الملك الأوحد عدة قلاع وبذل إطلاق خمسة آلاف أسير ومائة ألف في ينار وعقد الهدنة مع المسلمين ثلاثين سنة وشرط أن يزوج ابنته بالملك الأوحد فتسلم ذلك منه وأقام وتحالفا وأطلق‏.‏

  ذكر وفاة نور الدين صاحب الموصل

في هذه السنة توفي نور الدين أرسلان شاه بن عز الدين مسعود بن مودود بن عماد الدين زنكي بن أقسنقر صاحب الموصل في آخر رجب وكان مرضه قد طال وملك الموصل سبع عشـرة سنـة وأحـد عشـر شهـراً‏.‏

ولمـا اشتـد مرضـه انحـدر إلـى العيـن القيـارة ليستحم بها وعاد إلى الموصـل فـي سبـارة فتوفـي فـي الطريق ليلاً وكان أسمر حسن الوجه قد أسرع إليه الشيب وكان شديد الهيبة على أصحابه وكان عنده قلة صبر في أموره‏.‏

واستقر في ملكه بعده ولده الملك القاهر عز الدين مسعود بن أرسلان شاه بن مسعود وكان عمر القاهر عشر سنين وقام بتدبير مملكته بدر الدين لؤلؤ وكان لؤلؤ مملوك والده أرسلان شاه وأستاذ داره وهذا لؤلؤ هو الذي ملك الموصل علـى مـا سنذكـره إن شـاء اللـه تعالـى وكـان لأرسلان شاه ولد آخر أصغر من القاهر اسمه عمـاد الديـن زنكـي ملكـه أبـوه قلعتـي العقـر وشوش وهما بالقرب من الموصل‏.‏

ذكر غير ذلك‏:‏ وفي هذه السنة وردت رسل الخليفة الناصر لدين الله إلى ملوك الأطراف أن يشربوا له كأس الفتوة ويلبسوا له سراويلها وأن ينتسبوا إليه في رمي البندق ويجعلوه قدوتهم فيه‏.‏

وفيهـا سـار الملـك العـادل بعـد وصولـه إلـى دمشـق ومقامـه إلـى الديـار المصريـة وأقـام بدار الوزارة‏.‏

وفيها توفي فخر الدين جهاركس مقدم الصلاحية وكبيرهم‏.‏

ذكر وفاة الملك الأوحد صاحب خلاط‏:‏ في هذه السنة توفي الملك الأوحد أيوب ابن الملك العادل فسار أخوه الملك الأشرف وملك خلاط واستقل بملكها مضافاً إلى ما بيده من البلاد الشرقية فعظم شأنه ولقب شاهرمن‏.‏

وفي هذه السنة قتل غياث الدين كيخسرو صاحب بلاد الروم قتله ملـك الأشكـري وملـك بعده ابنه كيكاؤوس بن كيخسرو بن قليج أرسلان حسبما تقدم ذكره في سنة ثمان وثمانين وخمسمائة‏.‏

  ثم دخلت سنة ثمان وستمائة

في هذه السنة قبض الملك المعظم عيسى بن الملك العادل على عـز الدين أسامة صاحب قلعتي كوكب وعجلون بأمر أبيه الملك العادل وحبسه في الكرك إلى أن مات بها وحاصر القلعتين المذكورتين وتسلمهما من غلمان أسامة وأمر الملك العادل بتخريب كوكب وتعفية أثرها فخربت وبقيت خراباً وأبقى عجلون وانقرضت الصلاحية بهذا‏.‏

وملك الملك المعظم بلاد جهاركس وهي بانياس وما معهـا لأخيـه شقيقـه الملـك العزيـز عمـاد الديـن عثمان ابن الملك العادل وأعطى صرخد مملوكه عز الدين أيبك المعظمي‏.‏

وفي هذه السنة عاد الملك العـادل إلـى الشـام وأعطـى ولـده الملـك المظفـر غـازي الرهـا مـع ميافارقيـن‏.‏

وفيهـا أرسـل الملـك الظاهـر القاضـي بهاء الدين بن شداد إلى الملك العادل فاستعطف خاطره وخطب ابنته ضيفة خاتون ابنة الملك العادل فزوجها مـن الملـك الظاهـر وزال ما كان بينهما من الأحن‏.‏

وفيهـا أظهـر الكيـا جلـال الديـن حسـن صاحـب الألموت وهو من ولد بن الصباح شعائر

الإسلام وكتب به إلى جميع قلاع الإسماعيلية بالعجم والشام فأقيمت فيها شعائر الإسلام‏.‏

وفيها توفي أبو حامد محمد بن يونس بن منعة الفقيـه الشافعـي بمدينـة الموصـل وكـان إمامـاً فاضلاً وكان حسن الأخلاق‏.‏

وفيها توفي القاضي السعيد المعروف بابن سنا الملك وهو هبة اللـه بـن جعفـر بـن سنـا الملك السعدي الشاعر المشهور المصري أحد الفضلاء الرؤساء صاحب النظم الفائق وكان كثير التنعم وافـر السعـاده محظوظـاً مـن الدنيـا مـدح تـوران شـاه أخا السلطان صلاح الدين بقصيدة مطلعها‏:‏ تقنعـت لكـن بالحبيـب المعمم وفارقت لكن كل عيش مذمم فهجن بعض الفضلاء هذا المطلع وعابوه ومن شعره أيضاً‏:‏ لا الغصن يحكيـك ولا الجـوذر حسنـك مما كثروا أكثر قـال لي اللاحي أما تستمع فقلت للاحـي أمـا تبصـر

  ثم دخلت سنة تسع وستمائة

في هذه السنة في المحرم عقد الملك الظاهر على ضيفة خاتون بنت الملك العادل وكان المهر خمسين ألف في ينار وتوجهت من دمشق في المحرم إلى حلب فاحتفل الملك الظاهر لملتقاها وقدم لها أشياء كثيرة نفيسة‏.‏

وفيها عمر الملك العادل قلعة الطور وجمع لها الصناع من البلاد والعسكر حتى تمت‏.‏

وفي هذه السنة سار طغريل شاه بن قليج أرسلان صاحب أرزن الروم وحاصر ابن أخيه سلطان الروم كيكاؤوس بسيواس فاستنجد كيكاؤوس بالأشرف بن الملك العادل فخاف عمه طغريـل ورحـل عنـه وكـان لكيكـاؤوس أخ اسمـه كيقبـاذ فلمـا جـرى ما ذكرناه سار كيقباذ واستولـى على أنكورية من بلاد أخيه كيكاؤوس فسار كيكاؤوس وحصره وفتح أنكورية وقبض على أخيه كيقباذ وحبسه وقبض على أمرائه وحلق لحاهم ورؤوسهم وأركب كل واحد منهم فرساً وأركب قدامه وخلفه قحبتين وبيد كل منهما معلاق تصفعه به وبين يدي كل واحد منهم مناد ينادي‏:‏ هذا جزاء من خان سلطانهم‏.‏

  ثم دخلت سنة عشـر وستمائـة

فـي هذه السنة ظفر عز الدين كيكاؤوس كيخسرو صاحب بلاد الروم بعمه طغريل شاه فأخذ بلاده وقتله وذبح أكثـر أمرائـه وقصـد قتـل أخيـه عـلاء الديـن كيقبـاذ فشفـع فيـه بعـض أصحابه فعفا عنه‏.‏

وفيها في رمضان توفي بحلب فارس الدين ميمون القصري وهو آخر من بقي من كبراء الأمراء الصلاحية وهو منسوب إلى قصر الخلفاء بمصر كان قد أخذه السلطان صلاح الدين من هناك‏.‏

وفيها ولد للملك الظاهر من ضيفة خاتون بنت الملك العادل ولده الملك العزيز غياث الديـن محمد وفي هذه السنة قتل أيدغمش مملوك البهلوان وكان قد غلب على المملكة وهي همذان والجبال قتله خشداش له من البهلوانية اسمه منكلي وكان أيدغمش قد هرب منه والتجأ إلى الخليفـة في سنة ثمان وستمائة ورجع أيدغمش في هذه السنة إلى جهة همذان فقتل واستقل منكلي بالملك‏.‏

وفـي هـذه السنـة فـي شعبـان توفـي ملـك المغرب محمد الناصر بن يعقوب المنصور بن يوسف ابن عبد المؤمن وكانت مدة مملكته نحو ست عشرة سنة وكان أشقر أسيل الخد دائم الإطراق كثيـر الصمت للثغة كانت في لسانه وقد تقدم ذكر ولايته في سنة خمس وتسعين وخمسمائة‏.‏

ولما مات محمد الناصر المذكور ملك بعده ولده يوسف وتلقب بالمستنصر أمير المؤمنيـن بـن محمد الناصر بن يعقوب المنصور بن يوسف بن عبد المؤمن وكنيته أبو يعقوب‏.‏

وفيها وقيل في السنة التي قبلها توفي علي بن محمد بن علي المعروف بابن خروف النحوي وفيها توفي عيسى بن عبد العزيز المجزولي بمراكش وكان إمامـاً فـي النحـو صنـف مقدمتـه الجزولية وسماها القانون أتى فيهـا بالعجائـب واعتنـى بهـا جماعـة مـن الفضـلاء وأكثـر النحـاة يعترفون بقصور إفهامهم عن إدراك مراده منها فإنها كلها رموز وإشارات قدم الجزولي المذكور إلـى ديـار مصـر علـى ابـن بـري النحـوي ثـم عـاد إلـى الغرب والجزولي - بضم الجيم - منسوب إلى جزولـة وهـي بطـن مـن البربـر ويقال لها كزولة أيضاً وشرح مقدمته في مجلد كبير أتى فيه بغرائب وفوائد‏.‏

  ثم دخلت سنة إحدى عشر وستمائة

في هذه السنة توفي دلدرم بن ياررق صاحب تل باشـر وولـي تـل باشـر بعـده ابنـه فتـح الديـن‏.‏

وفيهـا توفـي الشيـخ علـي بـن أبـي بكـر الهـروي ولـه التربة المعروفة شمالي حلب وكان عارفاً بأنواع الحيل والشعبذة والسيماوية تقدم عند الملك الظاهر غازي صاحب حلب وله أشعار كثيرة وتغرب في البلاد ودار غالب المعمورة‏.‏

وفيهـا أسـرت التركمـان ملـك الأشكـري وهـو قاتـل غيـاث الدين كيخسرو فحمل إلى ابنه كيكـاؤوس بـن كيخسـرو فـأراد قتلـه فبذل له في نفسه أموالاً عظيمة وسلم إلى كيكاؤوس قلاعاً وبلاد لم يملكها المسلمون قط‏.‏

وفيها عافى الملك العادل من الشام إلى مصر‏.‏

وفيها توفي الدكز عبد السلام بن عبد الوهاب ابن عبد القادر الجبلي ببغداد ولي عدة ولايات وكان يتهم بمذهب الفلاسفة اعتقل قبل موته وأظهرت كتبه وفيها الكفريات مثل مخاطبة زحل وغيره بالإلهية وأحرقت ثم شفع فيـه أبـوه فأفرج عنه وعاد إلى أعماله‏.‏

وفيهـا توفـي فـي شـوال عبـد العزيـز بن محمود بن الأخضر وله سبع وثمانون سنة وهو من فضلاء المحدثين‏.‏

  ثم دخلت سنة اثنتي عشر وستمائة

ذكر استيلاء الملك المسعود ابن الملك الكامل ابن الملك العادل على اليمن‏:‏ قد تقدم ذكر استيلاء سليمان بن سعد الدين شاهنشاه بن تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيـوب في سنة تسع وتسعين وخمسمائة على اليمن وأنه ملأها ظلماً وجوراً وأنه أطرح زوجته التي ملكته فلما جاءت هذه السنة بعث الملك الكامل ابن الملك العادل ابنه الملك المسعـود يوسف المعروف بأقسيس إلى اليمن ومعه جيش فاستولى الملك المسعود على اليمن وظفر بسليمان المذكور صاحب اليمن وبحث به معتقلاً إلى مصر فأجرى له الملك الكامل ما يقوم به ولم يزل سليمان المذكور مقيماً بالقاهرة إلى سنة سبع وأربعين وستمائة فخرج إلى المنصورة غازياً فقتل شهيداً‏.‏

وفي هذه السن توفي الأمير علي بن الإمام الناصر ووجد عليه الخليفة وجداً عظيماً وأكثر الشعراء من المراثي فيه‏.‏

وفي هذه السنة تجمعت العساكر من بغداد وغيرها وقصدوا منكلي صاحب همذان وأصفهان والري وما بينهما من البلاد فانهزم وفتل في ساوه وتولى موضعه أغلمـش أحـد المماليـك البهلوانيـة أيضـاً‏.‏

وفيهـا فـي شعبان ملك خوارزم شاه علاء الدين محمد بن تكش مدينة غزنة وأعمالها وأخذها من يلدز مملوك شهاب الديـن الغـوري فهـرب يلـدز إلـى لهاوور من الهند واستولى عليها ثم سار يلدز عن لهاوور واستولى على بعض بلاد الهند الداخلة تحت حكم قطب الدين أيبك خشداش يلدز المذكور فجرى بينه وبين عسكر قطب الدين أيبك مصاف فقتل فيه يلدز وكان يلدز حسن السيرة في الرعية كثير الإحسان إليهم‏.‏

وفيها توفي الوجيه المبارك بن أبي الأزهر سعيد بن الدهان النحوي لضرير وكان فاضلاً قرأ على ابن الأنباري وغيره وكان حنبلياً فصار حنفياً ثم صار شافعياً فقال فيه أبو البركات يزيد التكريتي‏:‏ ألا مبلـغ عنـي الوجيـه رسالة وإن كان لا تجدي إليه الرسائل تمذهبت للنعمان بعد ابن حنبل وفارقته إذ أعوزتك المآكل وما اخترت رأي الشافعي تديناً ولكنما تهوى الذي هو حاصل

  ثم دخلت سنة ثلاث عشرة وستمائة

ذكر وفاة الملك الظاهر غازي ابن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب صاحب حلب‏:‏ ولما كانت صبيحة يوم السبت وهو الخامس والعشـرون مـن جمـادى الأولـى مـن هـذه السنـة ابتـدأ بالملـك الظاهـر المذكـور حمـى حـادة ولمـا اشتـد مرضـه أحضـر القضـاة والأكابـر وكتـب نسخة يمين أن يكون الملك بعده لولده الصغير الملك العزيز ثم بعده لولده الكبير الملك الصالح صلاح الدين أحمد بن غازي وبعدهما لابن عمهما الملك المنصور محمد بن العزيز عثمان ابن السلطان صلاح الدين‏.‏

وحلف الأمراء والأكابر على ذلك وجعل الحكم في الأموال والقلاع إلى شهاب الدين ظغريل الخادم وأعذق به جميع أمور الدولة وفي الثالث عشر من جمادى الآخرة أقطع الملك الظافر خضر المعروف بالمستمر كفر سودا وأخرج من حلب فـي ليلتـه بالتوكيـل وأخرج علم الدين قيصر مملوك الملك الظاهر إلى حارم نائباً‏.‏

وفي خامس عشـر جمـادى الآخرة اشتد مرض الملك الظاهر ومنع الناس الدخول إليه وتوفي في ليلة الثلاثاء العشرين من جمادى الآخرة وكان مولده بمصر في نصف رمضان سنة ثمان وستين وخمسمائة فكـان عمـره أربعـاً وأربعيـن سنة وشهوراً وكانت مدة ملكه لحلب من حين وهبها له أبوه إحدى وثلاثيـن سنة‏.‏

وكان فيه بطش وإقدام على سفك الدماء ثم أقصر عنه وهو الذي جمع شمل البيت الناصري الصلاحي وكان ذكياً فطناً وترتب الملك العزيز في المملكة ورجع الأمور كلها إلى شهاب الدين طغريل الخادم فدبر الأمور وأحسن السياسة وكان عمر الملك العزيز لما قرر في المملكة سنتين وأشهراً وعمر أخيه الملك الصالح نحو اثنتي عشر سنة‏.‏

وفـي هـذه السنـة توفـي تـاج الديـن زيـد بـن الحسين بن زيد الكندي‏.‏

وكان إماماً في النحو واللغة وله الإسناد العالي في الحديث وكان ذا فنون كثيرة في أنواع العلم وهو بغدادي المولد والمنشأ وانتقل وأقام بدمشق‏.‏